الجبناء عند العرب
ما هي الطرق السليمة الموصلة لأن تكون جباناً؟! ضربت العرب أمثله لجبناء، فقالوا عن الجبان: نعامة فتخاء وقالوا عنه: دجاجة.
وقالوا: الحدأة القتول وقالوا: الظليم. وكلها من أمثلة الجبن وكانت العرب لا تولي سيداً جباناً، بل تشترط فيه شرطين:
الأول: أن يكون شجاعاً.
والثاني: أن يكون كريماً.
ولكن قد يكون الجبن جبلة، والإسلام يرد الجبناء فيعلمهم أن يحملوا شجاعة
الرأي والفكر والعلم والقتال، ليصبح الناس مثل أصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم. ومثال شجاعة الرأي شجاعة العلم، يقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ
مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ
وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُون إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا
وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ [البقرة:160].
من أجبن العرب
من أجبن العرب، أبو حية النميري ، كان جباناً يضرب
به المثل، أخذ سيفاً من خشب، فكانت قبيلته إذا قاتلت أخذ السيف من الخشب
وجلس في آخرهم، فإن انتصروا ضارب معهم وإن هزموا فر، وكان يسمي سيفه (ملاعب
الأسنة) وكان يعرض سيفه من الخشب أمامه ويقول: يا سيف، كم من نفس أهدرتها
ومن دم أسلته!!
قال عنه ابن قتيبة في عيون الأخبار وصاحب العقد الفريد : دخل كلب في ظلام
الليل بيته، فخرج هو وزوجته وتناول السيف -سيف ملاعب الأسنة- وخرج خارج
المنزل وأخذ يقول: الله أكبر وعد الله حق. فاجتمع أهل الحي -وأظنه عاش في
الإسلام في القرن الأول، وقالوا: مالك؟ قال: عدو محارب انتهك عرضي ودخل
عليَّ في البيت وهو الآن في البيت.
ثم قال: يا أيها الرجل اخرج إن كنت تريد مبارزة فأنا أبو المبارزة، وإن كنت
تريد قتلاً فأنا أم القتل كل القتل، وإن كنت تريد المسالمة فأنا عندك في
مسالمة. فبقي يتراود ويضرب الباب بالسيف وينادي، فلما أحس الكلب بجلبة
الناس خرج من بينهم، فألقى السيف من الخوف وقال: الحمد لله الذي مسخك كلباً
وكفانا حرباً.
ومنهم أيضاً: قائد مشهور أخذ القيادة بغير كفاية
وجدارة وقدرة، يسمونه: ابن عبد ربه ، ويسميه المؤرخون: ضرطة الجمل ، أخذ
أبناء المسلمين وذهب بهم إلى فارس، وكان يمضي في الليل وينام في النهار
شهراً، حتى استعد أهل فارس وتترسوا وقووا كتائبهم، ثم بدأ الهجوم فكان هو
أول من انهزم، ودخل المدينة
على بغلته وترك أبناء المسلمين يقاتلون أهل فارس، يقول الشاعر في قصيدة طويلة:
تركت أبناءنا تدمى كلومه*** وجئت منهزماً يا ضرطة الجمل
يقول: فررت أول المعركة وتركت أبناءنا يذبحون. يقول فيه قتيبة بن مسلم :
والله لا أوليه ولو على شاة، أي: لا يقود شاه، فقد جربوه مرة واحدة، والطعن
في الميت حرام.
أبو دُلامَهَ من الجبناء
قال أبو جعفر المنصور : أين أبو دلامة ؟ وهو رجل مزاح فكاهي، ليس من سادات
المعارك فللميادين أبطال، وللأقلام أبطال، وللمنابر أبطال، فـأبو دلامة
مضحك للخليفة فقط، ويوم بدت الدشرة في مسيرة الأمة كان الخلفاء رقاصين
ومروجين ومهرجين ومطبلين ومزمرين، وتأخر العلماء والدعاة، وأهل الفكر ورواد
النهضة الإسلامية؛ لأنهم يفسحون المجال للمهرجين والسمار واللاعبين، فـأبو
دلامة لما أتت المعركة قال الخليفة: أين أبو دلامة ؟ قال: حاضر. قال: اخرج
بارز ذاك الفارس. قال: تعلم أني لست للمبارزة. قال: عزمت عليك أن تبارزه.
فخرج فلما قرب من الفارس وضع سيفه وقال للفارس: والله إنك تعلم أني أكره
الموت على فراشي فكيف تقتلني هنا؟ فضحك أبو جعفر وضحك الناس، وعاد أبو
دلامة .
أمور تعينك على أن تكون جباناً
أولها: انطماس التوحيد، فإذا انطمس التوحيد الذي في القرآن والسنة، وخاف
القلب وأصبح البشر أعظم من الله؛ أصبح الإنسان جباناً، يراعي الإنسان من
أجل مصالحه ومن أجل منصبه ووظيفته ومكانته، وتجد أنه يدبج لك الجبن ويلفلفه
في لفائف ويقول: مصلحة الدعوة! الحكمة والأناة! فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ
اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159].
الثاني: عدم اعتقادك أن الخالق والرازق هو الله، ونعرف أن كثيراً منا يعتقد
أن الرازق والخالق غير الله، وقد لا يقولها ولكن هذا هو اعتقاده وتصوره
بحسب الممارسات العملية في حياته في يومه وليلته، يترجم عن هذا الأمر.
الثالث: نسيان تقدير الآجال وأنها بيد الواحد الأحد، فأنت تعيش ستين سنة لا تزيد ولا تنقص، أو تعيش أربعين لا تزيد ولا تنقص.
أفنقول: إن الذين قتلوا أنس بن النضر عجلوا عليه موته؟ أو الذين قتلوا عبد
الله بن رواحة أو زيد بن ثابت أو جعفر الطيار أنهم قصموا أعماراهم؟ لا
والله، ما تقدموا دقيقة ولا تأخروا دقيقة، وما تركوا من أرزاقهم لقمة
واحدة.
الرابع: اعتقاد نفع الناس وضرهم بغير مشيئة الله، فإن بعض الناس قد يقول: أخشى أن يضرني فلان لا.
فعليك أن تتوكل على الله، وعليك بتقوى الله: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا
أَذىً [آل عمران:111] قال أهل العلم: أذى في أعراضكم، فأما تلطيخ العرض
فيلطخون عرضك ويسبونك، أما الضرر فلا يضرونك إلا بإذن الله: وَمَا هُمْ
بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102].