الدولة : المزاج : عدد المساهمات : 2362 تاريخ التسجيل : 06/05/2011الموقع : سوريا لايÙ
الاوسمة :
موضوع: هل هي نهاية علم الكون (الكسمولوجيا) كما نعرفه؟ السبت يوليو 16, 2011 1:38 am
مفاهيم مفتاحية
قبل عقد من الزمن، توصل الفلكيون إلى الاكتشاف الثوري، وهو أن تمدد الكون آخذ في التسارع. ومازال الفلكيون منكبّين على دراسة تداعيات هذه الظاهرة.
إن التمدد المتسارع سيبعد المجرات بعضها عن بعض بسرعة أعلى من سرعة الضوء، وهذا سيجعلها تغيب عن أنظارنا. وهذه العملية تلغي النقاط المرجعية لقياس التمدد، وتضعف المنتجات المميزة للانفجار الأعظم وتحولها إلى العدم. واختصارا، إنها تزيل جميع علامات الانفجار الأعظم التي حدثت سابقا. وبالنسبة إلى من يأتي بعدنا في المستقبل البعيد، سيبدو الكون تجمعا صغيرا للنجوم في فراغ لا نهاية له وغير متبدل. تُرى، ما هي المعارف التي أزال الكون آثارها؟
قبل مئة عام، نُشرت مقالة في مجلة «ساينتفيك أمريكان» عن تاريخ الكون وبنيته الواسعة النطاق؛ وقد كانت هذه المقالة خاطئة كليا تقريبا. ففي عام 1908، ظن العلماء أن مجرتنا كانت تملأ الكون كله، وعدّوه «كونا قائما على جزيرة»، وأنه حشد منعزل من النجوم محاط بخلاء غير منته. أما الآن، فنعرف أن مجرتنا هي واحدة من أكثر من 400 بليون مجرة في الكون القابل للرصد. وفي تلك السنة، كان الإجماع العلمي هو أن الكون سكوني static وأبدي. ولم تكن الفكرة القائلة إن الكون نشأ نتيجة انفجار ناري أعظم عرضة لأي شك إطلاقا. أما تركيب العناصر في اللحظات القليلة الأولى من انطلاق الانفجار الأعظم وفي داخل قلوب النجوم، فلم يكن مفهوما. وأما تمدد الفضاء وتقوسه المحتمل استجابة لنشوء المادة، فلم يكونا أمرين يمكن أن يحلم بهما أحد. وكان لا بد من انتظار تطور تقانات جديدة ـ إذ إن ما كان يصمم منها حينذاك لم يكن لاستكشاف أزلية الكون، بل لتمكين الناس من الاتصال بعضهم ببعض هاتفيا ـ وذلك للإقرار بحقيقة أن الفضاء كله يسبح في بحر من الأشعة، وهذا مما يوفر صورة شبحية للشفق البارد الذي ولده نشوء الكون.
من الصعب تحديد مجال بحثي، طرأت عليه تغيرات في القرن الماضي أكثر من التغيرات التي طرأت على الكسمولوجيا (علم الكون) وعلى الطريقة التي ننظر بها إلى العالم. ولكن هل يتعين على العلم في المستقبل أن يُوفِّر دائما معارف تجريبية أكثر مما كان موجودا في الماضي؟ توحي أبحاثنا الحديثة أنه فيما يتعلق بالمقاييس الزمنية الكونية، فإن الجواب هو لا. وقد نعيش الآن في العصر الوحيد من تاريخ الكون الذي يستطيع العلماء فيه بلوغ فهم دقيق للطبيعة الحقيقية للكون.
كوكب وحيد: مع ازدياد حجم الفراغ في الفضاء، بسبب التوسع الكوني المتسارع، فإن المجرة التي تنتمي إليها أرضنا ستغدو محاطة بفراغ كامل.
وقد حفّز هذه الدراسةَ اكتشافٌ مثير حدث قبل عقد تقريبا. فقد قامت مجموعتان مختلفتان من الفلكيين بتتبع تمدد الكون خلال الخمسة بلايين سنة الماضية، وتوصلتا إلى أن هذا التمدد يبدو متسارعا. ويُظن أن مصدر هذه الثقالة المضادة الكونية(1) نمط جديد من الطاقة المعتمة (المظلمة) dark energy، المرتبطة بالفضاء الخالي. وقد توقع بعض المنظرين ـ من ضمنهم أحدنا، >كراوس< ـ أن هذه النتيجة الجديدة تستند إلى قياسات غير مباشرة، علما بأن ما يحسب له حساب في الفيزياء هو الملاحظات والرصود المباشرة. ويستلزم تسارع الكون أن يحتوي الفضاء الخالي من الطاقة على نحو ثلاثة أمثال ما تحتويه جميع البنى الكونية التي نرصدها في هذه الأيام وهي: المجرات، والحشود المجريّة، والحشود المجريّة الفائقة. ومن عجائب التقادير، أن <A.أنشتاين> كان أول من افترض وجود هذا الشكل من الطاقة بغية إبقاء الكون ساكنا، وأطلق عليه اسم الثابت الكسمولوجي [انظر: «اللاتثاقل الكسمولوجي»، مجلة العلوم ، العدد 11(1999) ، ص 58].
سيكون للطاقة المعتمة تأثير هائل في مستقبل الكون. وقد درس >كراوس< مع الخبير الكسمولوجي <G.ستاركمان> [من جامعة Case Western Reserve] تداعيات ذلك على الحياة في كون ذي ثابت كسمولوجي، وكان تقديرهما أن النتيجة ليست جيدة. فمثل هذا الكون يصبح مكانا غير صالح للعيش فيه، والثابت الكسمولوجي يولّد «أفق حدث»(2) مثبتا، وهو سطح وهمي لا يسمح للمادة والإشعاع الموجودين وراءه بوصولهما إلينا. وعندئذ يشبه الكون ثقبا أسود مؤلفا من جزأين داخلي وخارجي، وتكون المادة والإشعاع محجوزين خارج ذلك الأفق بدلا من داخله. ويعني هذا الاكتشاف أن الكون المرصود لا يحتوي إلا على قدر محدود من المعلومات، لذا فإن معالجة المعلومات (والحياة) لا يمكن أن تستمر إلى الأبد [انظر: «مآل الحياة في الكون»، مجلة العلوم ، العدد11 (2000) ، ص 18].
وبوقت طويل قبل أن تصبح محدودية المعلومات هذه مشكلة، ستُدفع جميع المادة المتمددة في الكون خارج أفق الحدث. وقد درس هذه العملية <A.لويب> و<K.ناكامين> [اللذان كانا في جامعة هارکرد] وتوصلا إلى أن ما يسمى مجموعتنا المحلية local group من المجرات (درب التبانة(3)، والمرأة المسلسلة(4)، ومجموعة من المجرات القزمة(5) التي تسبح في مداراتها) ستنهار متحولة إلى حشد فائق وحيد ضخم من النجوم، وستختفي جميع المجرات الأخرى وراء أفق الحدث، وتدخل في مجاهل النسيان. وتستغرق هذه العملية قرابة 100 بليون سنة، وهذه مدة قد تبدو طويلة، إلا أنها قصيرة ـ إلى حد ما ـ مقارنة بطول عهد الأزل.