تعرَّض الإسلام، ولا يزال، لحملات عدائية شتى، منها موقفه من المرأة، ولا
سيما من ناحية عقلها، حيث يُتَّهم الإسلام بأنه ينتقص من عقل المرأة
وقدراتها، وأنه يحط منها بالمقارنة مع الرجال. هذا في الوقت الذي أثبت فيه
العلم عدم وجود أي اختلاف في قدرات التفكير عند المرأة والرجل. كما أن
الواقع يشهد بغير ذلك، حيث وصلت المرأة إلى أعلى المراتب والمناصب، وحققت
إنجازاتٍ وإبداعاتٍ فكريةٍ عديدة، لا سيما في العالم الغربي. مما يعني
ببساطة، كما يزعمون، أن الإسلام يخالف العلم والواقع المحسوس، وأن أفكاره
تتعارض وتتناقض مع هذه المعطيات المحسوسة المشهودة على أرض الواقع.
غير أن هناك من يقول بأن المرأة قد أتيحت لها فرصة عظيمة من حيث حرية العمل
وإبراز إمكاناتها، ولكنها لم تُثبِت أنها على قدم وساق مع الرجل. فالرجل
هو الذي أفسح لها هذا المجال من الحرية، ومع ذلك لم تصل إلى كثير من
المناصب العالية التي لا يزال يتربع عليها الرجل. كما أنه هو الذي أتى
بالأفكار العظيمة والمبادئ والنظريات والاختراعات وغير ذلك مما له شان
يذكر.
أساس هذه الاتهامات هو حديث صحيح يُعرف بحديث ناقصات عقل. وسوف نستعرض في
هذه المقالة نص الحديث والقراءات السريعة الخاطئة له، ونبين أن وصف النساء
بأنهن ناقصات عقل لا يحط من قدر عقولهن ولا من مكانتهن، لا سيما إذا تبين
لنا أن هذا الوصف ينطبق أيضاً على الرجال. كما أن أية امرأة مسلمة سوف تفخر
بكونها كذلك إذا ما جرت المقارنة بينها وبين كثير من العظماء والزعماء
والعلماء من الكفار الذين نفى الله عنهم العقل بالكلية، وأن عقلوهم
ومكانتهم لا تغني عنهم من الله شيئا إذ لم يتوصلوا بها إلى أن ينالوا رضوان
الله وجنته. بل يمكن القول أن أية امرأة مسلمة هي أعقل من آينشتاين الذي
يضرب بذكائه المثل، ولكنه لم يوصله إلى الدخول في الإسلام ولا نيل الجنة.
حديث ناقصات عقل
هذا الحديث رواه الشيخان (البخاري ومسلم) وأصحاب السنن، وهو صحيح الإسناد
والمتن. وسوف نكتفي برواية مسلم، فقد روى رحمه الله في صحيحه في باب
الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « يا مَعْشرَ
النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل
النار. فقالت امرأة منهن جَزْلة: وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل
النار؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعن، وتَكْفُرْنَ العشير، وما رأيت من
ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن. قالت يا رسول الله وما
نقصانُ العقل والدين؟ قال : أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ
شهادةَ رَجُل، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في
رمضان، فهذا نقصان الدين » . ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار ،
وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حق الزوج.
ولا يمكن فهم هذا الحديث بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة،
وذلك في قوله تعالى : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ
فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن
تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ
إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } [البقرة:282]. فالعلاقة بين هذه الآية والحديث
وثيقة الصلة، بل يكاد الحديث يُحيلنا إلى الآية صراحة.
الفهم الخاطئ للحديث والمناقض للواقع
من الواضح أن الذين يتهمون الإسلام بأنه ينتقص من عقل المرأة، قد بنوا
أفكارهم على الحديث السابق. فقد فهموا منه أن النساء ناقصات عقل، أي أن
قدرات النساء على التفكير هي أقل من قدرات الرجال. وهذا جرياً على المعنى
الدارج للعقل من أنه عضو التفكير، ولسان حالهم يقول بأن جهاز التفكير عند
المرأة أضعف من جهاز التفكير عند الرجل، وأن هذا ينطبق على أية امرأة وعلى
أي رجل في الدنيا.
ولكن الحديث نفسه، وجرياً على هذا المفهوم، يبين أن المرأة لا تقل في عقلها
عن الرجل من حيث أنها ناقشت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها جزلة أي ذات
عقل وافر، ومن حيث أن الواحدة منهن تَذهب بعقل اللبيب أي الوافر العقل.
فكيف تَذهب بعقله إذا لم تكن أذكى منه أو أنه ناقص عقل على أقل الاحتمالات؟
بالإضافة إلى ذلك فإن الإسلام يعتبر أن المرأة والرجل سواءٌ أمام التكاليف
الشرعية من حيث الأداء والعقوبة، فلو كانت المرأة ناقصة عقل، فكيف يكون
أداؤها وعقوبتها بنفس المستوى الذي للرجل، فهذا ينافي العدل الذي يتصف به
الله وينادي به الإسلام. فناقص العقل لا يُكلَّف بمثل ما يكلف به من هو
أكمل منه عقلاً، ولا يُحاسب بنفس القدر الذي يُحاسب به، على فرض أن الرجل
أكمل عقلاً من المرأة.
ما هو التفكير؟
التفكير أمر مألوف لدى الناس يمارسه كثير منهم، ومع ذلك فهو من أكثر
المفاهيم غموضاً وأشدِّها استعصاءً على التعريف. ولعلَّ مردَّ ذلك إلى أن
التفكير لا يقتصر أمرُه على مجرد فهم الآلية التي يحصل بها، بل هو عملية
معقدة متعددة الخطوات، تتداخل فيها عوامل كثيرة تتأثر بها وتؤثر فيها. فهو
نشاط يحصل في الدماغ بعد الإحساس بواقع معيَّن، مما يؤدي إلى تفاعلٍ ذهنيٍّ
ما بين قُدُرات الدماغ وهذا الإحساس والخبرات الموجودة لدى الشخص المفكر،
ويحصل ذلك بناءً على دافعٍ لتحقيق هدف معين بعيداً عن تأثير المعوقات أو
الموانع.
وعلى الرغم من تعدد الجوانب وكثرة العوامل المتداخلة والمؤثرة في التفكير
والمتأثرة به، فإن الأبحاث المستفيضة والكتابات الكثيرة حول الموضوع، تؤكد
أن عناصر التفكير الأساسية هي الإدراك الحسي والمعالجة والإنتاج. حيث يقوم
الدماغ باستكشاف الخبرة وربطها مع الإدراك الحسي للخروج بالفكرة. وهذا ما
تؤكد عليه أبحاث علم النفس والأعصاب والفلسفة والفكر الإسلامي، بالإضافة
إلى البرامج العملية حول تنمية مهارات التفكير وتعليمه. وليس أدل على صدق
هذا التصور من التطبيقات العملية التي نقوم بها في مجال تنمية وتطوير
وتحسين مهارات التفكير، بطريقة عملية تطبيقية.