أم اليتــامـــى والمكفوفيــن الأربعــة.. عائلــة برســم فاعــلي الخيــــر
كاتب الموضوع
رسالة
برنس سوريا مدير المنتدى
الدولة : المزاج : الابراج : عدد المساهمات : 2108 تاريخ الميلاد : 24/04/1996تاريخ التسجيل : 06/05/2011العمر : 28
الموقع : سوريا لايف
الاوسمة :
موضوع: أم اليتــامـــى والمكفوفيــن الأربعــة.. عائلــة برســم فاعــلي الخيــــر الأربعاء أغسطس 03, 2011 2:10 pm
أم اليتــامـــى والمكفوفيــن الأربعــة.. عائلــة برســم فاعــلي الخيــــر
لم يكن الاهتداء إلى بيت أم اليتامى وأولادها المكفوفين أمراً يسيراً، فعلى هوامش حدود محافظة ريف دمشق أو ما يعرف بأطراف البحدلية التابعة للسيدة زينب تضيع العناوين وتفقد قدرتك وسط العشوائيات على البحث والاستدلال إلى المكان.. فالمشهد واللون والرائحة ذات صبغة واحدة تميل للسواد.. وعلى الرغم من قتامة المشهد فإن الفقر والجوع والمرض والألم كانت نقاط العلام التي أطرت ذلك المنزل داخل مربع المعاناة لتدلنا عليه.. على باب العذاب طرقات عديدة على باب البيت الحديدي المستأجر لم نتلقَ جواباً عليها بداية قبل أن يفتح الباب بخجل وكأن ساكنيه يخجلون من دمعة الزائر وألمه عندما يرى المشهد.. محمد 12 سنة وموسى 10 سنوات وبشار 17 سنة وفاروق 27 سنة.. أربعة مكفوفين يجلسون بشكل عشوائي على بعض الأثاث البسيط بصمت قاتل، أحدهم ترتجف يداه والآخر يواجه الجدار، بينما الاثنان الباقيان يجلسان على الأرض علها تخفف قليلاً من حرارة الشمس اللاهبة التي تخرق أشعة نافذة أشبه بنافذة السجن موجودة في السقف.. وبدا أن الفقر قد أحكم قبضته على المكان وفرض سياسته الظالمة، حارماً تلك العائلة من أبسط مقومات الحياة اللهم إلا من بعض ما يجود به أهل الخير لسد الرمق.. أحلام ميتة كلام مقتضب وقليل وعفوي، بريء في مفرداته عميق في معناه، فالمكفوفون الأربعة لا يعرفون حتى معنى الحلم لأن سواد الأيام وقهرها وجبروت ظلمها أفقدهم طعم الحياة في الخارج.. الأيام متشابهة والزمن متوقف فجميعهم لا يعرف حتى كم عمره، الأمر الذي دفعنا للتقصي عن معلومات إضافية من الجيران وشقيقتهم المتزوجة والتي قاومت ظروفها الصعبة ومسؤوليتها تجاه بيت زوجها لتحاول مساعدة الأم المريضة المعيلة الوحيدة لهم والتي تعاني من ضعف البصر والدسك والسكري وغيره وتحتاج لعمل جراحي بعد تعرضها لحادث سرفيس حطم عظامها قبل مدة من الزمن.. صورة سوداء البيت خلا من كل شيء باستثناء براد وعدد محدود من الطناجر القديمة والتي لولاها لما عرفنا أن المكان الموجودة فيه هو مطبخ يتم فيه إعداد وجبة البيض الغذاء اليومي لهم مع بعض الطعام الذي يأتي من بعض المحسنين وهو قليل عملياً.. تتحلق الأسرة بعدها في أرضية المطبخ ليفترشوا الأرض ببعض الجرائد الإعلانية ويأكلوا بنهم مخصصات كل واحد منهم، بينما تأكل الدموع والحسرة وجه وقلب الأم التي جاهدت في البحث عن عمل لسد رمق أولادها ويجنبها السؤال فتلك السيدة تحاول أن تبدو قوية على الأقل أمام أولادها رغم مرض الديسك الذي يكاد يفتك بها وهي تبحث بشتى الوسائل عن هامش دخل يؤمن أجرة البيت، ذلك الهاجس الذي تطلب منها التنقل المستمر وآخرها كما حدثتنا العودة إلى درعا حتى لو نامت في (خرابة) كان موت الأب قبل نحو العام ونصف وهو العامل البسيط والمريض، بمثابة كسر الظهر وسقوط عمود البيت، فلم يعد الأولاد قادرين على الذهاب لمدرسة المكفوفين في كفر سوسة لأنه كان يصطحبهم إليها ويترك لهم مجالاً للتنفس برائحة الناس والحياة.. فتشنططت العائلة في البحث عن مسكن في ظل ارتفاع الإجارات والعقود الإيجارية, ورغم تعاطف المؤجرين مع العائلة إلا أن لكل منهم ظروفه وهو أمر تعترف به الأم التي تقطعت بها السبل، فبناتها المتزوجات لسن بأفضل حالٍ من حياتها وأولادها، كما أن المرض الذي بدأ يقلص آخر مساحة للأمل بالبحث عن عمل أو مصدر رزق جعلها شبه عاجزة عن الإتيان بأية حركة. أجوبة باكية لا أدري حقيقة وسط انقباض القلب وارتجاف اليد عن الكتابة ما الذي دفعني لسؤال أفراد العائلة عما يتمنونه أو يحلمون به لكني قدرت أن سؤالاً كهذا يمكن أن يشد من عزيمتهم ويفسح لخيط الأمل أن يتسرب لبصيرتهم بعدما فقدوا الرؤية بأعينهم، فكانت الأجوبة باكية ومخنوقة، فموسى لا يعرف ماذا سيصبح أو بالأحرى لم يعرف معنى السؤال رغم محاولات الإيضاح، حتى المال ولذة الطعام واللباس لم يشعر بأهميته أو يتخيله.. فيما محمد قال وبعد فترة من الاستحضار وعصف التفكير بأنه يحلم بأن يقتني مسجلة (كاسيت) ليستمع من خلالها إلى الشيخ محمد راتب النابلسي، سألته هل تعرفه: فقال: لا، لكني استمعت لصوته وأحاديثه، كما أنه يحلم بأن يمتلك شريط كاسيت عليه صوت المجوز، أما الشقيقان الكبيران فأحدهما يعاني من تخلف عقلي بينما الثاني لديه أمل بالتعليم. نداء إنساني عائلة تحالفت ضد أفرادها كل الهموم والمصائب والأمراض والعوز والفقر وعاندهم الحظ في هذه الدنيا بحيث لم يعد لديهم سوى يد حنونة من أهل الخير قد تمتد يوماً نحوهم مخففة عنهم ما يلاقونه لترشدهم إلى طريق فيه بعض ألوان الحياة التي فقدوا التمييز بينها بفقدانهم البصر وطعمه علهم يحسون بمذاقها ويشعرون بمقاسمة الناس لبعض مأساتهم وهذا أضعف الإيمان.
أم اليتــامـــى والمكفوفيــن الأربعــة.. عائلــة برســم فاعــلي الخيــــر