ولد عميد الأدب العربي في صعيد مصر
سنة 1889م من أسرة متدينة محافظة تحب العلم والعمل كثيرا. ودرس طه حسين في
الكتاب وحفظ القرآن الكريم، وانتقل إلى الأزهر بالقاهرة حيث أظهر هناك
تفوقا كبيرا في الدراسة وحب العلم، وامتلك ناصية الحوار والجدل والمناظرة،
إذ كان يدخل في حوار علمي تجديدي مع شيوخه، في حين كان هؤلاء ينفرون من
جدله وملاحظاته؛ مما كانوا سببا في إخفاقه وعدم حصوله على الشهادة
العالمية. انتظم بعد ذلك في الجامعة الأهلية وحصل على الدكتوراه في الأدب
العربي القديم حول ذكرى أبي العلاء المعري، وقد طبقالمنهج السوسيولوجي في
رصده لشخصية أبي العلاء تأثرا بأساتذته المستشرقين ولاسيما أستاذه الإيطالي
كارلو نالينو. وبعد ذلك أرسل في بعثة إلى فرنسا لمتابعة دراساته الجامعية
العليا، وهناك تعرف على حضارة الغرب وانبهر بها انبهارا إيجابيا.
هذا،وقد تفوق طه حسين في دروسه وأبحاثه في فرنسا وعاد إلى بلده بدرجة
الدكتوراه حول "الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون". وكانطه حسين من الأوائل
الذين درسّوا في الجامعة المصرية بطرق جديدة وبمناهج أكثر حداثة وعصرنة
تعتمد على الشك والتوثيق والتحليل العلمي من أجل الوصول إلى اليقين الصحيح،
وكان يحاضر في الأدب العربي القديم ولاسيما الجاهلي منه وقد أثار ضجة كبرى
بسبب آرائه الجريئة الجديدة كما يظهر ذلك جليا في كتابه القيم "في الشعر
الجاهلي". وفصل عن الجامعة وأعيد إليها مرة أخرى. وعين بعد ذلك وزيرا
للمعارف المصرية إبان حكومة الخديوي. وتوفي سنة 1973م عن عمر يناهز 84 سنة
خصصها طه حسين للكتابة والنشر والإبداع والنقد، ودخل في معارك أدبية عدة مع
عباس محمود العقاد ومصطفى المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي....
ميزة الكتابة عند طه حسين :
وتتسم كتابة طه حسين بنصاعة البيان وفصاحة الألفاظ وبلاغة الأسلوب والإكثار
من التكرار اللفظي واستخدام اللازمة الانفعالية وأساليب الإنشاء الموحية
الدالة على التفجع والتحسر والتأسف، كما أكثر الكاتب من المفعول المطلق على
غرار كتابات مصطفى المنفلوطي وأطنب كثيرا في الشرح والتفسير، وأسهب في
الوصف والتصوير.
هذا، وتمتاز الكتابة البيانية عند طه حسين بمتانة السبك وصحة النظم الفني
وجريانها على أصول اللغة العربية واستخدام التصوير المجازي والتجسيد
البلاغي وترجيح كفة البيان على البديع وإسقاط الخصوصية الذاتية على الكتابة
تلوينا وانفعالا وإحساسا حسب السياقات النفسية والموضوعية. كما تتسم
الكتابة بجزالة اللفظ والإسهاب والاستطراد والترادف والتأكيد المصدري
والاستعانة بالأساليب استفهاما وتعجبا وإنكارا واشتراطا واستثناء وندبة.
وإليكم نموذجا يبين لنا مقومات الكتابة البيانية لدى طه حسين الذي يعد من
رواد المدرسة البيانية في النثر العربي الحديث في القرن العشرين إلى جانب
مصطفى لطفي المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي وشكيب أرسلان ومحمد عبده و
إبراهيم اليازجي وحسن الزيات وغيرهم، وهذه المدرسة امتداد للمدرسة البيانية
القديمة التي كان يتزعمها الجاحظ والجرجاني وأبو حيان التوحيدي:
" ياللحزن والأسى، ياللوعة والحسرة، يالليأس والقنوط. أيبلغ العنف بالزمان
أن يمحو هذا المقدار الضخم من حياة الناس في أعوام قصار، لقد جد جيل وجيل
في إقامة معمل السكر وإقامة ما حوله من الدور، بل من القرى. لقد عاش جيل
وجيل، بهذا المعمل ولهذا المعمل، لقد عاش جيل وجيل بهذه القناة ومن هذه
القناة. فكل هذا الجهد، وكل هذا العناء وكل هذه الذكرى، وكل ماكان على شاطئ
القناة وحول معمل السكر من جد وهزل ومن لذة وألم، ومن حب وبغض، ومن أمل
ويأس، ومن مكر ونصح، ومن خداع وإخلاص، كل هذا يذهب في أعوام قصار لا تكاد
تبلغ عدد أصابع لليد الواحدة، كان شيئا من هذا لم يكن، وكان نفسا لم تتأثر
بما أثارته الحياة في هذه الأرض من العواطف وكان شفة لم تبتسم لما أنبتته
هذه الأرض من أسباب الحزن والأسى. يا للحزن اللاذع، يا للألم الممض، ويا
لليأس المهلك للنفوس! لقد ماتت قناتنا أيها الصديق"(7)
أن المدرسة البيانية لدى طه حسين تمتاز بتنويع الأساليب الإنشائية كأن
الكاتب يكتب قصيدة شعرية أو قصيدة منثورةيستعمل اللازمة النثرية الدالة على
التحسر والتفجع، ويشغل التكرار بكثرة والتوازي التركيبي والتتابع
والازدواج في توظيف الجمل والإطناب في توسيع الفكرة وتمطيطها. كما يستعمل
الكاتب الصور البلاغية من تشبيه واستعارة ومجاز وكناية والمحسنات البديعية
من سجع وطباق ومقابلة وترادف وتكرار والتماثل الصوتي والتجانس الإيقاعي.