السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
قال سيبويه في باب تخبر فيه عن النكرة بنكرة :
وذلك قولك : ما كان أحد مثـلـَـك ، وما كان أحد خيرًا منك . وما كان أحدٌ مجترئًا عليك .
وحسن الإخبار ها هنا عن النكرة حيث أردت أن تنفي أن يكون في مثله حاله شيءٌ أو فوقَه )
قلتُ : يريد سيبويه - رحمه الله - العموم ، وهذا ما يعبر عنه النحويين المتأخرين بقولهم : العموم .
والإخبار عن النكرة بنكرة صورة تخالف القاعدة الأصل ، وهي : لا يجوز الابتداء بالنكرة ، وأما هاهنا فإنك تبتدئ بها ، وتخبر عنها - أيضا - . وسوّغ ذلك هو : العموم .
والعموم إذا نظرنا إليها نظرة معنوية تتعدد معانيها ، وأما سيبويه - رحمه الله - فإن يجمل هذه المعاني بشيء واحد ، وهو ( العناية والاهتمام ) . نعم لقد صرح الشيخ عبدالقاهر الجرجاني في الدلائل أنه لا يكفي أن نقول العناية والاهتمام ؛ لأن في ذلك سلبا للبريق البلاغي ، والفائدة في المعنى . ودليله على ذلك يطالعك من أول الدلائل حتى آخرها .
وأعود لكلام سيبويه .
ثم يعلل سيبويه سبب جواز صورة الإخبار عن النكرة بنكرة ، ويطرح صورًا أخرى مفسرا للمعنى ومناقشا للمبنى بقوله : ( وإذا قلت : كان رجلٌ ذاهبا فليس في هذا شيء تخبره كان جهله ، ولو قلت : كان رجلٌ من آل فلان فارسًا حَسُنَ ؛ لأنه قد يحتاج إلى أن تعلمه مثل هذا ، وقد يجهله ، ولو قلت : كان رجلٌ فيى قوم عاقلا لم يحسن ؛ لأنه لا يستنكر أن يكون في الدنيا عاقل ، وأن يكون في قوم ، فعلى هذا النحو يحسن ويقبح ) .
قلتُ: طرح سيبويه - رحمه الله - هذه الأمثلة الصناعية ليبرهن للقارئ أن النحو ليس صنعة لفظية ، فإذا قلنا له : كان ترفع وتنصب . رفعت كل شيء ، ونصبت كل شيء . بل هناك ضوابط دلالية يجب أن تصاحب هذه الضوابط النحوية ، وعليها تبنى الجملة ، ويمتزج اللفظ والمعنى .