السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ويقال الجملة الاعتراضية هي التي تقع بين شيئين متلازمين؛ كالمبتدأ والخبر، أو كالفعل والفاعل، أو كالصفة والموصوف، إلى غير ذلك من مواقعها، والغرض من الجملة الاعتراضية هو التوكيد وتقوية الكلام وتحسينه، ويندرج تحت هذا معانٍ كثيرة، لكن هذا هو المقصود الأصلي أن الجملة الاعتراضية يؤتى بها للكلام وتحسينه، ومن أمثلتها مثال ابن هشام وهو قول الله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الجملة الاعتراضية عند الإملائيين تكتب بين شرطتين إشارة إلى الاعتراض، فجملة وَلَنْ تَفْعَلُوا معترضة، بين ماذا وماذا؟ بين فعل الشرط وبين جواب الشرط، لأن أصل الكلام: ( فإن لم تفعلوا فاتقوا ).
لماذا هذا الاعتراض؟ هذا الاعتراض وقع هنا موقعًا بديعًا؛ لأن الغرض منه تأكيد عجزهم عن محاكاة القرآن أو الإتيان بسورة من مثل القرآن مدى الأزمان؛ ولهذا قال العلماء: إن الله -جل وعلا- أتى بـ( لن ) دون ( لا ) لأنها أبلغ منها وأقوى في النفي في المستقبل، فـ( لن ) قوية جدًّا، صحيح أنها ما تقتضي التأبيد مثلما يقول الزمخشري المعتزلي، لكنها قوية في نفي المستقبل أقوى من ( لا )، وهذا هو السر -والله أعلم- في مجيئها في هذا الموضع، فإن قوله تعالى فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا هذا في المستقبل، لكنه أكده تأكيدًا بديعًا بقوله: وَلَنْ تَفْعَلُوا
الإعراب: وأرجو أن تنتبهوا لما يمر من القواعد في الإعراب، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا الآن الفعل المضارع ( تفعلوا ) مجزوم، فما الذي جزمه؟ هل هو ( إن ) الشرطية، أو ( لم ) الجازمة؟ بعض النحويين يقول الجازم هو ( لم )، لماذا؟ لأنها شديدة الاتصال بالفعل المضارع، ( لم ) ما تدخل إلا على الفعل المضارع، لكن ( إن ) تدخل على الفعل المضارع وتدخل على الفعل الماضي، بل قد يقع بعدها اسم؛ كما في قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ إذن أيهما ألصق بالمضارع ( تفعلوا )؟ ( إن ) أم ( لم )؟ ( لم ) فبعضهم يقول: هي الجازم، إضافة إلى أنها متصلة بالفعل، ما بينها وبين الفعل فاصل.
بينما يرى آخرون أن ( إن ) هي الجازمة لأنها تؤثر على الفعل لفظًا ومعنى، على الفعل لفظًا الجزم يعني، ومعنى.. أيش معنى ( معنى )؟ نقطة -يا أخوان- مهمة جدًّا وهي ستأتي إن شاء الله لكن هذا موضعها، أنتم تعرفون أن ( لم ) حرف نفي وجزم وقلب؛ يعني إذا دخلت ( لم ) على الفعل المضارع اللي هو للحاضر والمستقبل قلبت معناه إلى الماضي، إذا قلت مثلا: ( لم يحضر زيد ) أيش تقصد بـ( لم يحضر زيد )؟ الزمن الماضي، إذا جاءت ( إن ) أبطلت تأثير ( لم ) ورجّعت الفعل المضارع لحالته، يكون للحاضر وللمستقبل، هذا معنى قولهم: إن ( إن ) تؤثر على المضارع لفظًا ومعنى.
وهذه النقطة ستأتينا إن شاء الله عندما يجيء الكلام على ( لم ) الجازمة للمضارع، هذا الخلاف ما ينبني عليه كبير فائدة؛ لأن المضارع مجزوم سواء جزمته ( إن ) أو جزمته ( لم ).
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأمثلة الخمسة، والتعبير -يا أخوان- بالأمثلة الخمسة أحسن من التعبير الدارج الأفعال الخمسة، والفرق أننا لو قلنا الأفعال الخمسة يعني تصير أفعالا معينة ما تتغير، مع أن الأفعال الخمسة تتغير؛ تكون مضارع اقترنت به ألف الاثنين، أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة، ولهذا نقول من الأمثلة الخمسة، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والألف فارقة، طيب.
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ( ولن تفعلوا ): ( الواو ): واو الاعتراض، و( لن ): حرف نصب واستقبال، و( تفعلوا ): فعل مضارع منصوب بـ( لن )، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعل، والجملة لا محل لها من الإعراب معترضة.
( فاتقوا ): الفاء واقعة في جواب الشرط، ( اتقوا ): فعل أمر مبني على حذف النون، يعني عندهم قاعد يقولون: فعل الأمر يُبنى على ما يُجزم به مضارعه، قاعدة دي، إذا أشكل عليك فعل الأمر مبني على ماذا؟ رجّعه إلى المضارع وانظر بما يبنى فهو بناء الأمر، ( فاتقوا ) المضارع ( يتقون )، لو دخّلنا عليه جازما: ( لم يتقوا )، إذن مجزوم بحذف النون، إذن هو الآن مبني على حذف النون، و( الواو ): واو الجماعة، والجملة في محل جزم جواب الشرط، مرت علينا أمس.
هذا النوع الثالث وهو الجملة الاعتراضية، من أمثلتها أيضًا غير مثال المصنف قول الله تعالى: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ أين الجملة الاعتراضية؟ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ هذه الجملة اعتراضية، بين ماذا وماذا؟ بين القسم وجواب القسم، القسم: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ، الجواب: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ هذا الأصل، يعني أصل الكلام: ( فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم )، لكن جاء الاعتراض في قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ يعني تأكيد أهمية هذا القسم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إذن هذه الجملة اعتراضية -كذا يا أخوان؟- في وسطها جملة اعتراضية ثانية؛ لأن قوله: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ ( قسم ) موصوف، وأين الصفة؟ ( عظيم )؛ لأن الأصل: ( وإنه لقسم عظيم )، فجاءت جملة: لَوْ تَعْلَمُونَ معترضة بين الصفة وبين الموصوف.