إذا التقى ساكنان فيتم التخلص من أولهما؛ إما حذفا إذا كان معتلا، أو بتحريك أحدهما بالحركات إن كان الساكن صحيحا.
وفي أصل الكلمة الواحدة لا يجتمعُ ساكنان، وإنما الاجتماع يتم بتغيير
الكلمة بسبب العوامل الداخلة عليها، أو عند وصلها بكلمة أخرى؛ فالأمرُ من
(قَامَ) (قُمْ) ومن (وَفَى) (فِ) ومن (رَأى) (رَ) أو (رَهْ)، والمضارع
المجزوم مِن (يقول) (لَمْ يَقُلْ) وهكذا.
مواضع التقاء الساكنين:
قيل: إنَّ العرب لا تبدأ بساكن ولا تقف على متحرك، ولكن عند تصريف بعض
الأفعال يطرأ السكون على أوله فيتم التخلص منه بهمزة الوصل، ويغلِبُ ذلك في
أمر الثلاثي والخماسي والسداسي (ذَهَبَ يَذْهَبُ اذْهَبْ), (اسْتَعَانَ
اسْتَعِنْ اسْتِعَانَة)، فالقاعدة تقول: يأتي الأمرُ من المضارعِ بعد حذف
حرف المضارعة كما في المثال السابق، وبما أنَّ فاء الفعل ساكنةٌ فلا بد من
النطق بمتحرك، وتخلصا من هذه المشكلة جيء بهمزة الوصل للنطق بمتحرك بدايةً،
وهذه الهمزة تسقط لفظا عند الوصل كما في (وقال لهُ اذْهَبْ). وقول (إنَّ
العرب لا تقف على ساكن) ليس على إطلاقه، وقد توسَّع علماء التجويد في ذلك
وأجازوا الوقوف على متحرك في الروم أو الإشمام أو هاء السكت.
هل يلتقي ساكنان في الكلمة الواحدة؟
لا يلتقي ساكنان خطّاً في الكلمة الواحدة، وإنما الالتقاءُ يكون لفظا من
أجل الوقوف العارض، ويكون ذلك في وسط الكلمة أو في نهايتها، ولا يكون في
بداية الكلمة إطلاقا، ففي الوسط لا يكون إلا بعد مدٍّ مع التضعيف؛ كما في
(الصَّاخَّة)، (الحاقَّة)، وما شابههما، وفي الطرف إذا وَلِيَ المدَّ سكونٌ
عارض مثل (رحيْمْ) (عليْمْ)، ويكون أيضًا مع حرفين صحيحين؛ الأول ساكن
أصلي والثاني عارض من أجل الوقف كما في والفجْرْ. وليالٍ عشْرْ [الفجر:
1-2].
أما النوع الأول فيُتخلص منه بالمد، وأما الثاني الذي فيه الحرفان الصحيحان
فالنطق به صعب؛ إذ تشم رائحة الحرف الأخير شما؛ إذ يصعب نطق الساكن الأخير
إذا سبقه ساكن صحيح. ويسمى "رَوْمًا" قال السيوطي: "ولم يَجمعوا (يقصد
العرب) بين ساكنين في حشو الكلمة، ولا في حشو بيت، ولا بين أربعة أحرف
متحركة؛ لأنهم في اجتماع الساكنين يبطئون، وفي كثرة الحروف المتحركة
يستعجلون، والكثيرُ في التقاء الساكنين يكون في الوصل بين الكلمات كما في
قالت الأعراب آمنا [الحجرات: 14] ومثله كثير في القرآن وغيره من كلام العرب
[1].
إذًا يلتقي ساكنان في كلام العرب ولكن طرفاً، وزاد بعضهم: أنه تلتقي ثلاث
سواكن طرفا، واستشهدوا على ذلك بالكلمات المشددة طرفا التي تقع بعد مد كما
في (جانّ) (حاجّ) (صوافّ) (تتَّبعانّ) وكذلك في (أراْيْتْ) و(أاْنْتْ) في
قراءة ورش بالإبدال.
كيف يتم التخلص من الساكنين؟
هناك طرق عدة للتخلص من الساكنين:
1- الحذف خطاً:
يُحذف حرفُ العلة إذا وقع آخرَ الأمر (ادْعُ) (اجْرِ) (اسْعَ)، ويعود حرف
العلة مفتوحا عند اتصال الفعل بنون التوكيد: (اجرِيَنْ) (ادنُوَنَّ).
يُحذف حرف العلة إذا وقع في الفعل الأجوفَ وسكن آخرُه كما في (قُلْ)
(بِعْ) (نَمْ) (لا تنَمْ) (لم يقلْ). وإذا تحرك آخره عادت العين المحذوفة
كما في (قُولا), (نامُوا)، (خافِي) .... لعدم تتابع الساكنين، كما تحذف
العين إذا اتصلت بالفعل ضمائر الرفع المتحركة نحو: (قُلتُ)، (بِعتُ)،
(قُلنَ)، (هَبْنَ). فالأصل في (قُلْتُ) (قَوَلْتُ)؛ تحركت الواوُ بعد فتحة
فقلبت ألفاً فصارت (قَالْتُ)، فاجتمع ساكنان فحذفت الألف لاجتماع الساكنين.
وكذا (بِعت) (بَيَعْتُ) (باعْتُ) (بعْتُ). أما (يقلنَ) (يقْوُلْنَ)
(يَقُوْلْنَ) (يقُلْنَ)؛ نقلت حركة الواو إلى الحرف الصحيح الساكن لأنه
أولى بتحمل الحركة، ثم حذفت لالتقاء الساكنين.
يحذف حرف العلة من الاسم المنقوص إذا نون بالرفع أو الجر كما في (قاضٍ)،
وتبقى الياء بعد تنوين الفتح؛ لأنَّ الياء فتحت وتخلصت من التسكين.كما في
(رأيت قاضياً).
تحذف الألف المقصورة لفظا إذا نونت كما في (قرًى) رفعا ونصبا وجرا؛ لأن
التنوين ساكن ويأتي بعد ساكن وهو حرف العلة، فيحذف تخلصا من التقاء
الساكنين.
إذا لحقت الفعلَ الماضي المعتل واوُ الجماعة أو تاء التأنيث يحذف المعتل
من الفعل ويعوض عنه بحركة من جنس المحذوف قبل الألف للدلالة على أنَّ
المحذوف ألف (رأى + و = رأَوْا) (غَزَى + تْ = غَزَتْ)، أما إذا وَلِيَ
واوَ الجماعة الساكنة سكونٌ فتضم الواو كما في قوله تعالى اشتَرَوُا
الضلالة [البقرة: 16]، فتم التخلص من سكون الواو بضمها؛ وذلك لمجيء الساكن
بعدها. وإن كان أصل المعتل (لام الفعل) واوا فتحذف ويضم الحرف الذي قبلها
لمناسبة الواو: (سَرُوا) بوزن (فَعُوا) فأصلها (سَرُوُوا)؛ تحركت الواو
بالضمة لمناسبة واو الجماعة واستثقلت الضمة على الواو فحذفت، ثمَّ حذفت
الواو نفسها دفعا لالتقاء الساكنين.
يحذف حرف العلة من المضارع المعتل الآخر عند إسناده لواو الجماعة أو ياء
المؤنثة المخاطبة كما في (يرمِي)، (يدنُو)، (يسعَى) فعند الإسناد تصبح
(يرمُون)، (لم يدنُوا)، (لتسعَوْا). و(ترمِين)، و(تَدنِين)، و(تَسعِين).
ويحرك بالفتح ما قبل المحذوف إن كان ألفا (يسعَوْن) وبالضم إن كان المحذوف
واوا (يغزُون) وبالكسر إن كان المحذوف ياء (تغزِين). ويُعامل فعلُ الأمر
معاملةَ المضارع؛ لأنه مأخوذ منه فيحمل عليه، (اسعَوْا) و(اسعَيْ)
و(اغزُوا) و(ارمِي).
يحذف حرف العلة من اسم المفعول المعتل العين كـ(مَقْوُول) من (قال)،
(مقُوْوْل) ثم (مقُول) بحذف الواو تخلصا من التقاء الساكنين وكذلك
(مَبْيُوع) من (باع)، (مَبِيْوْع) ثم (مَبيِع) نقلت حركة العين إلى الساكن
قبلها فالتقى ساكنان فحذفت واو المفعول.
تحذف ألفُ المصدر من (إفعال) و(استفعال) إذا كان الفعل معتل العين مثل
"أقام إقامة واستقام استقامة" فأصلهما: (إقوام) و(استقوام)، نقلت حركة
العين - وهي الفتحة - إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان: عين الكلمة والألف،
فحذفت الألف لالتقاء الساكنين فصارتا "إِقَوْمَا" (بكسر ففتح فسكون)
و"استِقَوْما" (بكسر التاء وفتح القاف وسكون الواو) فقلبت العين ألفا
لتناسب الفتحة قبلها، فصارتا "إقاما واستقاما" ثم عوض المصدر من ألف
الإفعال والاستفعال المحذوفة تاء التأنيث. واختصاراً عندما نقول (أكرم)
فالمصدر (إكرام) على وزن (إفعال) وفي (أعان) (إعاان) (إفعْال) فالتقى
ساكنان فيحذف عين الفعل (الألف الأولى من إعاان) ويعوض عنها بتاء التأنيث
فتصبح على وزن (إفالة) وكذا في (استعان).
إذا لَحِقَ مضارعَ الأفعال الخمسة نونُ التوكيد مثل (ليقولونّ) فتصبح
(ليقولُنّ)؛ لأنَّ أصل الكلمة (ليقولونْنَّ) ففي هذه الكلمة ثلاث نونات؛
نون الرفع والنون الأولى الساكنة المدغمة والنون المشددة المفتوحة الآخر ثم
حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، فالتقى ساكنان واوُ الجماعة والنونُ
الأولى الساكنة من النون المشددة المفتوحة الآخر, فحُذِفت واو الجماعة
تخلصاً من التقاء الساكنين، وبقيت الضمة على اللام للدلالة على المحذوف.
وهكذا فيما يقاس عليه.
تعود الفتحة إلى آخر المضارع المجزوم إذا اتصلت به نون التوكيد الثقيلة أو
الخفيفة مثل: (والله لتجتهدَنَّ)، ويعرب عندها فعلَ مضارع مبنياً على
الفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم؛ وذلك لأنَّ التنوين ساكن
و(لتجتهدْ) مجزوم فيتم التخلص من السكون الأول ببنائه على الفتح.
2- وأما الحذف لفظاً فكثير في لغتنا العربية وأهمه:
تُحذف الألفُ المقصورة لفظا إذا نُوِّنت كما في قُرًى وهُدًى رفعاً ونصباً
وجرّاً؛ لأن التنوين ساكن أتى قبله ساكنٌ وهو حرف العلة فتحذف الألف تخلصا
من التقاء الساكنين.
تُحذف حروفُ العلة إذا وَلِيَها ساكنٌ كما في (وفي السماء) و(على الأرض)
ففي السماء تم حذف ثلاثة أحرف هي ياء (في) وهمزة الوصل واللام الشمسية من
(السماء) التي عُوِّض عنها بتضعيف السين، أما (على الأرض) فحذف حرفان هما
ألف (على) وهمزة الوصل من الأرض. وأمثلته كثيرة في اللغة العربية.
تحذف همزات الوصل من (ابن) و(اسم) و(امرؤ) و(امرأة) وغيرها من الأسماء
المبدوءة بهمزة وصل وكذلك المصادر والأفعال المبدوءة بهمزة وصل وأل التعريف
إذا سبقت بساكن كما في (يا ابن الأكرمين) وسبحِ اسْم ربك الأعلى [الأعلى:
1]، وقالوا اتخذ [البقرة: 116]، تحذف الواو في (قالوا) وهمزة الوصل في
(اتخذوا) وهذا كثير في لغتنا العربية.
حذفت الهمزة من مضارع (رأى) لالتقاء الساكنين فأصل المضارع من رأى
(يرْأَيُ) بوزن (يَفْعَلُ)، استثقلت الضمة على الياء فحذفت، ثم قلبت الياء
ألفاً لمناسبة الفتحة، أو نقول: تحركت الياء بعد فتحة فقلبت ألفاً، ونقلت
حركة الهمزة إلى الحرف الصحيح الساكن قبلها، ثم حذفت لالتقاء الساكنين:
الهمزة والألف فأصبح الفعل (يرى) [2].
3- حذف التنوين والنون:
يحذف التنوين من اسم العلم إذا وصف بـ(ابن) كـ"محمدُ بْنُ عبد الله"؛ لأن
محمداً ينتهي بتنوين، والتنوين ساكن الآخر وجاء بعده الباء الساكنة من (بن)
فالتقى ساكنان وللتخلص من هذه الظاهرة تمَّ حذف التنوين من (محمدٍ) ولا
يحذف التنوين من آخر العلم إذا كان (ابنٌ) خبراً كجوابنا: (محمدٌ ابنُ عبد
الله) لمن يسأل (منْ محمد؟) فأثبتت همزة الوصل في (ابن) لأنها وقعت خبراً
لا صفة، والواجب الوقف عند نهاية العلم الأول إن كان مصروفا ولفظ همزة
(ابن) بالحركة. وعلى هذا يقرأ من يقرأ قل هو الله أحدُ اللهُ الصمد
[الإخلاص: 1-2] ترك التنوين من (أحد) وأما من يقرأ في التوبة وقالت اليهود
عزيرٌ ابن الله [التوبة: 30] بالتنوين فإنه ينون لأنه خبر وليس وصفا، وقد
ذهب بعضهم إلى أنَّ التنوين إنما سقط لالتقاء الساكنين [3].
4- التخلص بالحركات:
ويكون التخلص من التقاء الساكنين بالحركات والمقصود بالحركة هنا: تحرك الحرف بأحد الحركات الثلاثة (الفتح، الضم، الكسر) وأشهرها:
الكسر وهو الأصل في التخلص من التقاء الساكنين بالحركات وقاعدتُه إذا
وَلِيَ الساكنَ حرفٌ صحيح ساكن يحرَّك الأول بالكسر كما في قالتِ الأعراب
[الحجرات: 14] قلِ الله [النساء: 127] (لا تهملِ الواجب) وكذلك في قوله
تعالى: فنعِمَّا هي [البقرة: 271] وأصله (فنِعْمَ ما) فأدغمت (نعم) بـ(ما)
فلزم تسكين الميم الأولى فالتقت مع العين الساكنة وللتخلص من سكونها تمَّ
كسر العين، وهناك من قرأ بإبقاء الساكنين في العين والميم وهي قراءة
متواترة قرأ بها قالون عن نافع وأبو عمرو البصري وشعبة عن عاصم بخلاف وأبو
جعفر بلا خلاف. وكذلك هي مرسومة متصلة للإدغام وكذلك تَعْدُّوا يَهْدِّى
اسْطَّاعوا.
ذكر ابن هشام في مغني اللبيب من أن (ذلك) أصلها ساكنة اللام مثل (تلك) فالتقى ساكنان (الألف واللام) فحركت الثانية بالكسر.
تكسر واو (أوْ) إذا وليها ساكن كما في أوِ اخْرجوا [النساء: 66] أوِ انْقُص [المزمل: 3].
إذا نون الظرف (إذْ) كما في (يومئذٍ) و(حينئذٍ) و(عندئذٍ) فإن (إذ) ظرف
مبني على السكون دخل عليه التنوين (تنوين عوض عن جملة) فالتقى ساكنان:
الذال والنون الساكنة (التنوين) فحركت الذال بالكسرة للتخلص من التقاء
الساكنين فأصلهما (يومئذِنْ) - (حينئذِنْ) - (عندئذِنْ).
ويحرك بالفتح إذا كان المضارع المجزوم مشددا فنقول لم يشدَّ والأصل لم
يشدْدْ فتوالى ساكنان فحرك الثاني بالفتح، والفتحة لخفتها، أو بالكسرة
لأنها الأصل، وإذا كانت عين الفعل مضمومة جاز التحريك بالضم أو الكسر
إتباعاً للعين فنقول: لم يَعُدَّ، لم يَعُدِّ، لم يَعُدُّ.
ويتخلص من السكون في مثل (كانتْ) إذا أضيف لها ألف كما في (كانتا)
و(خانتاهما) فإن تاء التأنيث حرف مبني على السكون فدخلت عليها ألف التثنية
وهي ساكنة ففتحت التاء للتخلص من التقاء الساكنين ولا يكون قبل الألف من
الحركات إلا الفتح.
وكذلك مثل (ذالكما – تلكما) مما دخل فيه ألف التثنية على ميم الجمع الساكنة
فتحركت الميم بالفتح تخلصاً من الساكنين. وكذلك كل فعل أمر مبني على
السكون (آخره حرف صحيح) دخلت عليه ألف التثنية كما في (انطلقْ) – (اركبْ)،
فصارا: (انطلقَا) – (اركبَا).
ويحرك بالفتح أيضاً نون (مِنْ) الجارة فالأصل في نون (من) الجارة أن تكون
ساكنة إذا وليها متحرك كما في (منْ قبلك) أما إذا وليها (أل) التعريف فتحرك
بالفتح كما في قوله ومِنَ الناس من يقول [البقرة: 8].
ويحرك بالضم ميم الجمع الساكنة: وهي ميم زائدة عن بنية الكلمة الدالة على
جمع المذكر حقيقة أو مجازا، ولا يكون الساكن بعد ميم الجمع في القرآن إلا
همزة وصل فإذا وليها متحرك تبقى ساكنة كما في قوله تعالى: سواء عليهمْ
أأنذرتهمْ أمْ لمْ تنذرهمْ لا يؤمنون [البقرة: 6].
وإذا وليها ساكن كما في قوله تعالى: فأخذتكمُ الصاعقة [البقرة: 55]،
أنفسكمُ اسْتكبرتم [البقرة: 78]، وتقطعت بهمُ الأسباب [البقرة: 166].
ويحرك بالضم واو الجماعة كما في وعصَوُا الرسول [النساء: 43] فتمنوُا الموت
[البقرة: 94]؛ للتخلص من التقاء الساكنين، ولو وليها متحرك لبقيت ساكنة
مثل: واخشَوْا يوما [لقمان: 33]، لبَغَوْا في الأرض [الشورى: 27]؛ لانتفاء
السبب.
5- النبرة:
النبر عند العرب ارتفاع الصوت يقال نبر الرجل نبرة إذا تكلم بكلمة فيها علو وأنشدوا:
إني لأسمع نبرة من قولها فأكاد أن يغشى علي سرورا
والنبر صيحة الفزع، ونبرة المغني رفع صوته عن خفض، ونبر الغلام ترعرع،
والنبرة وسط النقرة، وكل شيء ارتفع من شيء نبرة لانتباره [4]. ويقصد
بالنبرة قرع الحرف حتى يظهر صوته دون غيره، والنبرة علامة لحذف الحرف
المعتل إذا وليه ساكن وكان هذا المحذوف يخل بتركيب الجملة أو يحصل التباس
بينه وبين غيره؛ فتقول للمفرد (كتب الواجب) ولا يفرق بينه وبين المثنى
(كتبا الواجب) باللفظ إلا إذا نبرت اللام في الواجب للدلالة على حذف ألف
كتبا.
ومثله: وقالا الحمد [النمل: 15] تحذف ألف التثنية في (قالا) حال الوصل
للساكنين وينبر باللام من (الحمد) للدلالة على حذف الألف الأصلية لا الفتحة
حتى لا يلتبس (قالَ الحمد) و(قالا الحمد).
6- المد:
المد هو إطالة الصوت بحرف من حروف المد الثلاثة عند ملاقاة همز أو سكون كما
قال علماء التجويد، فالسكون ظاهر العلة، وأما الهمز فربما لأنه من أقوى
الحروف فعند لفظه كأننا نلفظ حرفاً مضعفا أي حرفين ساكنا ومتحركا أو مقلقلا
فأخذ حكم المد للتخلص من التقاء الساكنين، كما في (الملائكة)، (بما أنزل)
..... إلخ "ووجه المد هو أن حرف المد ضعيف والهمز قوي فزيد في المد تقوية
للضعيف عند مجاراة القوي. وقيل للتمكن من النطق بالهمز لأنه مهجور" [5]
والمتمعن في هذا التعريف يرى أن سبب المد هو التخلص من التقاء الساكنين
فالهمزة عند لفظها وسطا وآخرا تتكون من صوتين الصوت الأول ساكن والثاني
متحرك يخرج من أقصى الحلق، متميزا بنبرته عن باقي الحروف. فالمد يقوم مقام
الحركة وذلك أن الحرف يزيد صوتا بحركاته كما يزيد الألف بإشباع مده.
أما المد الذي يليه سكون أصلي فيكون لازم المد ويكون بعد تضعيف وهو الأكثر
كما في (الضالَّين) و(الحاقَّة) و(دابَّة) وهو ما سماه علماء التجويد كلميا
مثقلا وأما الكلمي المخفف فملحق به لأنه قليل ويخلو من التضعيف ومواطنه
قليلة وهي (ءالآن) في موضعين بسورة يونس. ويلحق به المد الحرفي أيضا بنوعيه
المخفف والمثقل كما في (ألـمـ).
7- المد العارض للسكون:
عرَّف علماء التجويد المد العارض للسكون بأنه مد لأجل السكون العارض إذا
سبقه حرف مد، فالمد زيادة في صوت حرف المد بمقدار أربع حركات أو خمس أو
ستٍ، وعند المد يتم التخلص من توالي الساكنين وهما حرف المد والساكن الذي
يليه لفظا، وكل مد ساكن، ولكن إذا مد فإنه يشبه المتحرك كما في الرحيمْ
الدين ويلحق به مد اللين كما في (الصيف) و(خوف) وكل مثنى مجرور أو منصوب
عينين النجدين ...... إلخ.
وهكذا نجد أنَّ العرب تتخلص من التقاء الساكنين إما بالحذف أو تحريك أحد
الصحيحين أو بالمد أو بالنبرة وذلك لأن توالي الساكنين ولا سيما في وسط
الكلمة ضعف في اللغة وبما أن العربية من أقوى وأجمل اللغات فإنها تنساب من
متحرك إلى متحرك أو من متحرك إلى ساكن ثم تنطلق إلى متحرك وهذه الحركة
المتناغمة تضفي عليها رونقا لا يشعر به إلا أصحاب الذوق السليم.
وقد ورد في النحو الوافي:
هو أن كل حرف ساكن صحيح فى آخر الكلمة فإنه يحرك بالكسر إذا جاء بعده
مباشرة ساكن آخر؛ نحو: خذ العفو، ولا تظلمِ الناس. إلا فى موضعين:
إحداهما: أن تكون الكلمة الأولى هى: "مِنْ" والثانية: "أل" فإن الساكن الأول يحرك بالفتح؛ مثل: أنفق منَ المال الحلال.
والآخر: أن تكون الكلمة الأولى منتهية بميم الجمع؛ فإنه يحرك بالضم؛ مثل: لكمُ الخير.
فإن كان آخر الكلمة الأولى حرف مَدّ، أو واو الجماعة، أو ياء مخاطبة، حذف
نطقاً لا كتابة؛ للتخلص من التقاء الساكنين؛ مثل: نحن عرفنا العلوم
النافعة،