الاستطراد
لغة :
هو مشتق من الفعل المزيد استطرد ، يستطرد ، استطرادا ،فمصدر استطرد
الفارس لقرْنِه في الحرب، وذلك بأن يفرَّ من بين يديْه يوهم الانْهِزام، ثم
يعطف عليْه على غرَّة منه، وهو ضرب من المكيدة.
واصطلاحًا: أن يكون المتكلِّم في مدح أو
غيره، فيتوهَّم السامع أنَّه مستمرٌّ فيه، ثم يخرج منه إلى غيره؛ لمناسبة
بينهما مصرِّحًا باسم المستطرد به آخر كلامه، وبه يفارق المخلص.
وهو ثلاثة أنواع:
استطراد غير مقصود لا تقوية لما قبله، نحو:
بِالرُّوحِ أَفْدِي غَادَةً ذِي عَادَةٍ بِالهَجْرِ لَيْسَ تَرَى لَدَيْهَا مَرْحَمَهْ
يُلْهِيكَ خُلْفُ حَدِيثِهَا وَوُعُودِهَا عَنْ خُلْفِ عُرْقُوبٍ وَكِذْبِ مُسَيْلِمَهْ
انتقل من التغزل إلى هجاء عرقوب بخلف المواعيد، وإلى هجاء مسيلمة بالكذب حيث ادَّعى النُّبوَّة.
واستطراد غير مقصود:
وفيه تقوية لما قبله، كقوْلِ بعضهم يمدح ابن حَجَرٍالعسقلاني:
أَيَا حَبَّذَا النِّيلُ المُبَارَكُ جَاريًا بِمِصْرَ كَجَرْي النِّيلِ مِنْ عُلَمَائِهَا
وَإِلاَّ كَجُودِ العَسْقَلانِيِّ مَنْ غَدَا شِهَابًا لِذِي العَلْيَا بِأُفْقِ سَمَائِهَا
الاستِطْراد ذكر ابن حجر ومدح نواله، وفيه تقْوية لمدح علماء مصر؛ لأنَّه منهم، وغير مقصود؛ لأنَّ ابتداء الكلام لم يَكُن لمديحه.
واستطراد مقْصود :
وهو قليل، ويليق أن يسمَّى إيهام الاستطراد، كقوله في ابن حجرٍ أيضًا:
إِنْ يَبْتَسِمْ ثَغْرُ الشَّرِيعَةِ وَالنَّدَى يَوْمًا فَذَلِكَ مِنْ أَبِي العَبَّاسِ
هُوَ جَامِعٌ عِلْمَ الحَدِيثِ وَحَافِظٌ وَمُفَرِّقٌ أَمْوَالَهُ فِي النَّاسِ
فهو مقصود لأنَّ أوَّل جملة تركَّبت مقصودة لمديحه؛ إذْ عند التَّصريح بذِكْره يفهم أنَّه المراد من أوَّل اللَّفظ.
كما انَّ الاستطراد: هو أن يأخذ المتكلِّم في معنى ، وقبل أن يتمّه يأخذ في معنى آخر . ويسمّيه ابن المعتزّ «حُسن الخروج» ، وذلك كقول حسّان بن ثابت:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني....فنجوت منجا الحارث بن هشام
ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم......ونجا برأس طمرّة ولجام
فقبل أن يأتي بجواب الشرط استطرد ، فأخذ يحكي ما فعله الحارث بن هشام ، وبعبارة أخرى: خرج من الغزل إلى هجاء الحارث بن هشام .
والاستطراد أيضاً نوع من تجميل الكلام يتلخّص في إدخال مادّة لا تتصل بالموضوع إلاّ اتّصالاً غير مباشر ، وقد تكون وظيفتها
الاستعطاف أو إثارة الغضب أو تفنيد حجج المعارضة .
والاستطراد قد ينطوي على الاتهام أو النقد أو السخرية أو المدح أو إثارة الكبرياء أو أي موضوع آخر يستطيع أن يزيد اهتمام
المستمعين أو يخفّف من قلقهم
كما عرف أيضا بأنه يذكر المتكلم غرضا و ينتقل منه إلى غرض أخر يناسب الغرض الأول , ثم يرجع إلى إتمام الغرض الأول.
كقول الشاعر:
وإنا أناس لا نرى الموت سبة إذا ما رأته عامر و سلول
يقرب حب الموت أجالنا لنا وتكرهه أجالهم فتطول
وما مات منا سيد حتف أنفه ولا طل منا حيث كان قتيلا
فسياق القصيدة هنا للفخر, واستطرد منه إلى هجو قبيلتي عامر و سلول.
ثم عاد إلى مقامه الأول وهو الفخر بقومه .
ومنه قول الشاعر:
لنا نفوس لنيل المجد عاشقة فإن تسلت أسلناها على الأسل
لا ينزل المجد إلا في منازلنا كالنوم ليس له مأوى سوى المقل.
فسياق القصيدة للفخر , واستطرد منه الشاعر إلى غرض الحماسة , ثم عاد ليتم غرضه الأول وهو الفخر.
ومن الاستطراد ضرب آخر :
وهو أن يجيء بكلام يظنُّ أنه يبدأ فيه بزهدٍ ، وهو يريد غير ذلك ، كقول الشاعر :
يا مَنْ تَشاغَل بالطَّلَل = أقصرْ فقد قَرُب الأجل
وَاصِلْ غَبُوقَك بالصَّبُوح = وَعَدِّ عن وَصْفِ الملَل
قال ابن رشيق :
الاستطراد : أن يرى الشاعر أنه في وصف شيء ، وهو إنما يريد غيره، فإن قطع أو رجع إلى ما كان فيه، فذلك ( استطراد )، وإن
تمادى فذلك ( خروج )، قال : وأكثر الناس يسمِّي الجميع ( استطراد ) .
قال الحاتمي :
وقد يقع من هذا الاستطراد ما يخرج به من ذم إلى مدح ، كقول زهير :
إن البخيلَ مَلُومٌ حيثُ كان ولــ
ــكِنَّ الجوادَ على علَّاته هَرِمُ